فرحت بالقائلين لي الى بيت الرب نذهب (مز ١٢٢:١)
ان الكنيسة هي مسكن الفرح الحقيقي الذي يجد فيه المؤمن بهجة قلبه وسلامه، ان الفرح في الكنيسة هو فرح روحي ليس كأفراح العالم!
فرح لقاء النفس البشرية بعريسها السماوي. ان غير الروحيين لا يستطيعوا ان يدركوا هذا النوع من الفرح ولكنهم يبحثون عنه في
العالم، ظناً منهم انهم سيجدونه وفي النهاية حتماً سيفشلون اذ ان فرح العالم له نفس سمات العالم فهو جسداني، متغير، ذائل زائف وفانِ وغير مجاني في اغلب بل وكل الأوقات!
اما فرح الكنيسة فهو روحي دائم وثابت مجاني اذ انه نعمة معطاه لأولاد الله المؤمنين به، فهو فرح بالرغم من وليس بسبب..
" مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين. متحيّرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين. مطروحين لكن غير هالكين. حاملين في الجسد كل حين اماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع ايضا في جسدنا"
(٢كو ٤: ٨-٩)
في الكنيسة تفرح النفس بلقاء الحبيب على المذبح فتشتاق الى لحظة البهجة والفرح الروحي الذي يغمر القلب اثناء وبعد التناول من الاسرار المقدسة.
فتفرح النفس بصحبة الملائكة ومشاركتهم التسبيح لله
"الذى أعطي الذين على الأرض تسبيح السيرافيم"
القداس الغريغوري
كما نطلب قائلين
"الذين ههنا اجعلهم متشبهين بملائكتك".
تفرح النفس بملاقاة أعضاء الجسد الواحد جسد المسيح الذي هو الشعب كبار وصغار نساء ورجال الكل يأتي ويتكامل كجسد واحد ليعبد الله ويُستعلن في الكنيسة صورتها البهية اذ نحن الكنيسة الجسد والمسيح هو الرأس.
"العصفور ايضا وجد بيتا و السنونة عشا لنفسها حيث تضع افراخها مذابحك يا رب الجنود ملكي و الهي"
(مز ٨٤ : ٣)
دعونا نتأمل سوياً في وسائط الفرح الموجودة في الكنيسة!
البنوة
”مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية الى الابد“
(١بط ١ : ٢٣)
ان الكنيسة هي باب البنوة لله في المسيح يسوع فمن خلال الكنيسة واسرارها نولد ميلاد ثاني بالروح القدس والماء في المعمودية ونخصص وندشن لله بالميرون فننال كمال البنوة لله في المسيح من خلال الكنيسة. وإذ لا يوجد باب اخر او طريقة أخرى ننال بها هذه البنوة فاذاً لا خلاص خارج الكنيسة!
"ان كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله "
(يو٥:٣)
فالكنيسة مسكن الفرح اذ نصير فيها ومن خلالها أبناء لله بالحقيقة وليس بصورة رمزية
"انظروا ايه محبة اعطانا الاب حتى ندعى أولاد الله"
(١يو٣:١)
التعليم
”اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به“
(١بط ٢:٢)
ان الكنيسة المقدسة هي عامود الحق وقاعدته فمن خلال الكنيسة ننال التعليم الصحيح، فالإنسان مُعرض لنوعين من الاخطار:
الخطر الأول: هو خطر عدم المعرفة التي تقود للهلاك الابدي
"هلك شعبي من عدم المعرفة"
(هو ٤:٦)
الخطر الثاني: هو المعرفة الخاطئة المُضلة او المُضللة والتي تقود ايضاً للهلاك الابدي
"لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم. فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون الى الخرافات".
(٢ تي ٤ :٢-٣)
فنجد القديس بولس الرسول بكل وضوح وقوة يحذرنا قائلاً
"ان بشرناكم نحن او ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن محروماً"
(غل ١: ٨)
وكنيستنا القبطية المجيدة علي وجه الخصوص هي كنيسة تعليم. فقد فهمت وعاشت طوال تاريخها المجيد هذا الدور الخلاصي الهام اذ تحرص على سلامة ونقاوة التعليم حتى انني اكاد أقول ان ما لاقته الكنيسة من الألم بسبب رفضها لعقيدة غربية عن الحق الإلهي وكلمة الله المُعلنه لنا في الانجيل كان أكثر بكثير مما لا قته من الوثنين وعباد الاصنام!
"فاثبتوا اذا ايها الاخوة و تمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام ام برسالتنا".
(٢تس٢ :١٥)
فالكنيسة مسكن الفرح اذ نطمئن فيها علي سلامة ونقاوة التعليم (تي ٢: ٧) الذي يشكل ايماننا الذي نحيا به للخلاص.
الاسرار
”انا الكرمة و انتم الاغصان الذي يثبت في و انا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا“
(يو ١٥ : ٥)
من اهم سمات كنيستنا انها كنيسة اسرار وتعريف السر هو "نعمة غير منظورة تحت عَرَض منظور"
فهي أمور مقدسة مخفية مثال على ذلك قول الرسول بولس عن الزواج
"هذا السر عظيم ولكنني أقول من نحو المسيح والكنيسة"
(اف ٥ :٣١)
معنى ذلك ان اتحاد الرجل وزوجته علامة او رمز الى امر روحي ابعد وسري وهو اتحاد المسيح بالكنيسة.
،مثل اخر في سر المعمودية ننال نعمة التبني والميلاد الجديد فهذه هي النعمة غير المنظورة، اما العرض المنظور او مادة السر فهي الماء الذي يغطس فيه المعمد بعد صلاوات تقديس الماء وهكذا مع باقي الاسرار...
ان الاسرار الكنسية تتناسب جداً مع الطبيعة البشرية فقد وضع الله لنا ما هو مناسب لطبيعتنا التي تميل الى كل ما هو حسي ومنظور فمثلاً في العهد القديم نجد الله يامر بامور منظوره كالختان والكفارة والفصح وخبز التقدمة ...الخ وكل هذه ما هي الا علامات حسية مادية منظورة ولكنها تجلب للإنسان البركة او نعمة معينة خاصة.
وهكذا في العهد الجديد لقد استخدم ربنا يسوع المادة في كثير من الأحيان بل وخضع هو ذاته لها لكي يترك لنا كمال المثل. فنراه يقبل اليه الختان والمعمودية ويُعيد. هكذا استخدم الرب المادة مرات عديدة كالطين الذي طلي به عيني المولود اعمي، كذلك الخبز والخمر الذي قدمه لتلاميذه قائلا "خذوا كلوا هذا هو جسدي .. خذوا اشربوا هذا هو دمي" والزيت الذي استخدمه الرسل لشفاء المرضي
"واخرجوا شياطين كثيرة ودهوا بزيت مرضي كثيرين فشفوهم"
(مر ٦: ١٣)
"امريض احد بينكم فليدعو قسوس الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب وصلاة الايمان تشفي المريض"
(يع ٥ :١٤)
فالله يمنح نعمته لابنائه المؤمنين من خلال عمل الروح القدس السرائري او السري في مادة السر فننمو في النعمة والفضيلة بعمل روح الله فينا. وهكذا يخبرنا معلمنا القديس بولس
"هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله"
(١كو ٤:١)
فالكنيسة مسكن الفرح اذ ننال فيها كل وسائط النعمة والخلاص من خلال عمل الروح القدس السري في الاسرار.
ان لم تكن الكنيسة أمك فلا يمكن أن يكون الله أبوك
القديس كبريانو
طقس
لم ترتدي الكنيسة كلمة الله كرداء تلتحف به بل طحنت الكلمة المقدسة كما تُطحن الحنطة (القمح) وصنعت لنا خبزا حياً شهياً عبرت عنه في طقوسها، فلا يوجد طقس كنسي او حركة طقسية بدون بُعد كتابي وعقيدي داخلها!
فتجد كلمات الصلوات الليتورجية ما هي الا كلمات وآيات وتعاليم ومواقف كتابية بحته ولكن الروح نسجها بتوافق عجيب لكي تكون لنا صلوات عميقة نصلي بها كل يوم! ولعل هذا هو السر وراء حياة هذه الكلمات التي مهما كررناها فنجد انفسنا نستطعمها من جديد كل مرة نسمعها او نصليها فهي كلمة الله الحية الفعالة التي امضى من كل سيف ذي حدين.
”و ليكن كل شيء بلياقة و بحسب ترتيب“
(١كو ١٤ : ٤٠)
من خلال الطقس نعيش الايمان الذي نعرفه ( العقيدة ) عملياً . مثلاً المعمودية دفن مع المسيح و ولادة من الماء و الروح و صبغة مقدسة لذلك نحن نغطس , من غير تغطيس لا ينفع . حتي أننا نسمي عيد عماد المسيح عيد الغطاس , فهنا نفهم أن المعمودية مرتبطة بالتغطيس أيضاً المعمودية هي خروج من مملكة الشيطان لذلك نمارس جحد( رفض ) الشيطان ، فاذا كانت المعمودية عهد مع المسيح لذلك ننظر الي الشرق ونعلن ايماننا بالمسيح
و في النهاية ( بعد المعمودية ) نلبس الزنار الأحمر اشارة الي الرتباط بدم المسيح
البخور و الشموع و الأيقونات النوسيقى الكنسية الغنية كذلك السجود والوقوف ورفع الايدي، يكذلك الصوم والميطانيات كل هذه الأشياء تملأ نفسية الانسان وتدخل متغلغلة في اللاشعور الإنساني لتقدسه وتملا القلب بالخشوع فيدخل الانسان في حالة من العبادة الحقانية بالروح والذهن بمشاركة الجسد والحواس
اما عن الحركات والرموز الطقسية فنجد الكنيسة في عمق روحي ومعرفي منقطع النظير تحيا قصة الخلاص وعلاقة الله بشعبه في حركات طقسية تعبر عن ايمانها المعاش كل يوم وليس قصة او حدث في تاريخ ما!
فالكنيسة مسكن الفرح المشبع الذي يشمل وملاء كل الكيان الإنساني بكل تفاصيله فيحيها فيها فرح سمائي عجيب لا يمكن للعالم ان يقدم مثله
افرح بالكنيسة وفي الكنيسة ومع الكنيسة
وللحديث بقية ....!!!
عشتم في سلام المسيح
القس انجيلوس فلتس
Comments